التنظيم الدولي للإخوان يبدأ بالزحف السياسي إلى تونس بعد خسارة السودان
فرض سقوط البشير في السودان البحث عاجلا
عن مركز آخر يأوي الإسلاميين، ما جعل النهضة تنقض وعودها بعدم تقديم مرشح رئاسي في
سياق تعزيز دور التنظيم الدولي المتراجع.
كما أدت التحديات التي يواجهها حزب العدالة
والتنمية في تركيا إلى الشعور بالقلق خوفا من سحب جزء من رصيد التيار الإسلامي في السلطة،
عقب احتدام ضغوط المعارضة على الرئيس رجب طيب أردوغان، واتخذت من علاقته بالتنظيم الدولي
تكئة للنيل منه في تسخير جانب من مقدرات تركيا لأتباعه، ومتوقع أن تتصاعد حدة الضربات
في هذا الاتجاه. وتشير الخارطة الإقليمية إلى تغيرات مقبلة
تتجاوز محنة الإسلاميين في مصر وأكبر من أزمتهم في السودان، فالتيار الإسلامي في ليبيا
على المحك، وأدت الضربات القوية التي يوجهها الجيش الوطني الليبي إلى قصم ظهر الكتائب
المسلحة التي يستند عليها، وسيؤدي استمرار الحرب حتى تنظيف ليبيا من الميليشيات والحد
من نفوذ القوى الإسلامية المتحالفة معها إلى عدم استبعاد الخروج نهائيا من التوازنات
السياسية الليبية مستقبلا. ناهيك عن المخاوف التي تنتاب فئة عريضة
في المجتمع المدني الجزائري من زيادة مساحة جبهة الإنقاذ التي استنفرت قواها الحية
للاستحواذ على كعكة السلطة، وسط أزمة متعاظمة، فقدت فيها المؤسسة العسكرية حصة مهمة
من هيبتها.
ويفضي كل صعود سياسي للنهضة إلى الشد من
عصب التيار الإسلامي في الدول المجاورة. وفي المغرب هناك تجربة عميقة يمتلكها، وينخرط
في اللعبة ضمن معادلة محسومة في كثير من مكوناتها، لكن بعض قياداته لا تخفي الرغبة
في تعويض الانكماش التدريجي. وإذا استوى نموذج أقرانهم في تونس وحقق مفاجأة مدوية سوف
تتنامى الأحلام، وتتبدل الطموحات من الحفاظ على حد مقبول من الحضور المنضبط إلى ما
هو أكبر.
الغنوشي
الذي
يعد نفسه لرئاسة البرلمان التونسي بعد ترشحه للانتخابات التشريعية. ستكون مناسبة سعيدة للغنوشي للعب بالقانون.
تلك فكرة نهضوية يُراد من خلالها السيطرة على المجتمع التونسي من خلال تغيير القوانين
بعد أن صار استعمال العنف فضيحة. الغنوشي يسعى إلى دولة القانون. ولكنه القانون
الذي ينسجم مع مشروعه في بناء إمارة إسلامية تكون بمثابة إعلان عن بدء المشروع الإخواني.
ما لم يحققه الآخرون عن طريق العنف يأمل
الغنوشي في تحقيقه عن طريق الديمقراطية. وهي ديمقراطية غادرة، سيكون الشعب التونسي
مسؤولا عن نتائجها المأساوية إذا ما تعامل معها بالطريقة التي أدت إلى فوز النهضة في
بلدية باردو. الرجل المراوغ ينتظر أن تغفو تونس ليقفز
إلى رئاسة البرلمان. حينها ستحكم حركة النهضة تونس بغض النظر
عن شخصيتي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. سيكون الاثنان تابعين للغنوشي بسبب طبيعة
نظام الحكم المتبع.
ذلك يعني أن تونس ستستمر في وضعها الرث.
لن يمارس البرلمان دوره الرقابي في ما يتعلق بالخدمات وبالأداء الحكومي وبهدر الأموال
بقدر اهتمامه بإنشاء آليات لمراقبة المجتمع في كل حركة من حركاته. بدلا من أن يراقب الحكومة سيراقب البرلمان
المجتمع. ذلك ما تسعى إليه حركة النهضة. أن تكون
رقيبة على المجتمع.
لتكون الحكومة المسيطرة بتونس بالدور المدني والسياسي والملجأ الجديد
للأسلامين بالشرق الأوسط هما الشيء نفسه بالنسبة لراشد الغنوشي زعيم
حركة النهضة الإسلامية. فهو لا يرى بدا من أن يحكم حزبه قصر قرطاج من أجل أن تصل الأمور
إلى خواتمها السعيدة. يومها سيكون عليه أن يعلن عن انتصاره على تونس. تلك الدولة التي
أزعجته كثيرا ودفعت به إلى أن يكون لاجئا في بريطانيا. الغنوشي أشهر عن سياسة ما بعد انتصاره على
الخيار المدني التونسي الذي عرف أبناؤه كيف يمزقون وحدته من أجل أن ينتصر الإسلام السياسي
بنزعته الدينية المتشددة على المجتمع ويحيله ركاما أسود لكثرة العباءات السوداء التي
سيتم استيرادها من الصين.
يريد الغنوشي أن يلحق الدولة كلها به وبحزبه.
قد يكون الحديث عن السلطات الثلاث مجرد نكتة بالنسبة له. فهو لا يؤمن إلا بـ"الحكم
لله" تأكيدا لإخوانيته وهو لا يثق بأي سلطة مدنية منتخبة. وهو حين يجاري التونسيين
في لعبتهم الديمقراطية فإنما يسعى إلى الوصول إلى البر الذي يمكنه من أن يدمج السلطات
الثلاث في سلطة واحدة هي سلطة المرشد. ولأن محمد بديع مرشد جماعة الاخوان لا يزال
مغيبا في سجنه المصري فإن راشد الغنوشي سيكون وكيله بتونس.
ليس مستبعدا أن يعلن الغنوشي نفسه وكيلا
عن المرشد الغائب إذا ما انتصرت حركة النهضة في الانتخابات. وقد يضع نفسه في موقع أكبر
ذلك لأنه يحلم بأن يحتل مكانة شبيهة بمكانة خامنئي في إيران. لذلك فإنه يستعد للولاية
على جمهورية تونس الإسلامية. وهو يشعر أن طريقه إلى ذلك الحلم صارت سالكة في ظل استضعاف
التيار المدني لنفسه من خلال اختلافاته التافهة التي غطت على خطر حركة النهضة. التونسيون اليوم في مرحلة ضياع ستكون حركة
النهضة هي الجهة الوحيدة المستفيدة منها. فأخشى ما أخشاه أن يستسلم التونسيون للإحباط
بسبب تمزق الجبهة الوطنية الذي لا تفسير له سوى هرولة البعض وراء مصالحهم الشخصية الضيقة
التي أفسدت المشهد الانتخابي بطريقة هي أشبه بالفضيحة في مواجهة وحدة الصف النهضوي
برصيده الشعبي الذي لا يُستهان به من جهة سعته. أعتقد أن الشعب الذي يطالب بالتغيير من
أجل أن تكون تونس أفضل ومن أجل أن لا يقع المجتمع فريسة لاستعباد الجهلة والقتلة اللصوص
عليه أن يغير عاداته وينتصر على سلبيته في النظر إلى دوره في العملية الديمقراطية.
ذلك هو خياره الوحيد ليثبت أهليته لبناء تونس حديثة.من غير ذلك فإن ثورته ستكون مجرد ذكرى.
سيسمح الثوار للندم بأن يعصف بهم بعد أن تخلوا لأسباب تافهة عن الاستمرار في التعبئة
الشعبية والامساك بخيوط الحل التي ما أن تفلت من أيديهم حتى يمسك بها أعداء مستقبلهم
الذين يقفون لهم بالمرصاد.أن يسفر نضال الشعب التونسي عن هيمنة حركة
أصولية متخلفة على الدولة والمجتمع فإن ذلك معناه خيانة تاريخية لواحدة من أكثر ثورات
عصرنا نبلا ورقياً وبعداً عن العنف.تلك نتيجة سوداء ستفتح أبواب تونس على عنف،
يفخر التونسيون أنهم تخطوا حاجزه. فما يجب أن يكون واضحا بالنسبة لهم أن الغنوشي لا
يقول الحقيقة في ما يتعلق بمشروعه السياسي. ذلك لأنه ليس متوقعا منه أن يخبر التونسيين
بأنه يخطط لإقامة امارة إسلامية على غرار امارات "داعش"مثل ما حدث عند تولي الإخوان المسلمين لمفاصل السلطة بكل البلدان
العربية وعلي رأسها السودان ومصر فـ"حركة النهضة" التي صار زعيمها
يتحدث بصوت عال عن ثقته بالفوز الساحق لن تبقي تفصيلا من تفاصيل الحياة مستقرا في مكانه
بل أنها ستسعى إلى التدخل في الحياة الشخصية من أجل إعادة صياغة المجتمع التونسي بما
ينسجم مع أفكارها الظلامية.انتصار الإسلام السياسي ممثلا بحركة النهضة
في الانتخابات القادمة هو بكل تأكيد الباب التي ستهب من خلاله العواصف التي ستهدم الدولة
المدنية التي كدح التونسيون بجهد خلاق ومبدع في بنائها منذ أكثر من ستين سنة. كتسبت حركة النهضة في تونس حضورا سياسيا
جيدا بما أبدته من مرونة في التعامل مع كثير من القضايا الجدلية، وحرصت على الإيحاء
بأن هناك مسافة تفصلها عن جماعة الإخوان ، اقتناعا بخصوصية التجربة التونسية، ومحاولة
للقفز على جملة من المشكلات الدقيقة، وأبرزها السقوط السريع والمدوي للجماعة في مصر،
والذي اعتقدت قيادات التنظيم الدولي أن القبض على السلطة في السودان قلل من تهميشها،
وتحولت الخرطوم لملاذ آمن لكثير من القيادات الهاربة من مصر،
وبؤرة يتجمع فيها إسلاميون المنطقة. يأمل الإخوان في الهيمنة على
مفاتيح القرار الرسمي في تونس، والاستفادة من التطور اللافت في انفتاح
المجتمع المدني هناك، الذي يبدي قطاع كبير فيه عدم ممانعته في التعامل مع الإسلاميين،
طالما التزموا بالقانون ومحدداته الصارمة، تمكنت حركة النهضة من زيادة وتيرة التسلل
إلى قاع المجتمع عقب مشاركتها الفعالة في الانتخابات البلدية العام الماضي، وعزمها
على رفع عدد مقاعدها في البرلمان القادم، ثم التطلع إلى أعلى هرم السلطة من خلال الدفع
بعبدالفتاح مورو، نائب رئيس
الحركة، ورئيس البرلمان المكلف حاليا. هناك من فهم هذه الخطوة على أنها مناورة
مؤقتة وأن مرشح النهضة سيعلن انسحابه، ومن ثمة إفساح المجال لحلفاء من تيارات أخرى،
بينما يرى آخرون أن الترشح جاد وله أغراضه السياسية، ويمكن أن تكون حظوظه ليست هيّنة،
لأن الحركة لم تقدم على هذه الخطوة من فراغ، لكنها لم تفلح في تبديد الهواجس في المحيط
الإقليمي، لأن تيار الإسلام السياسي يشد بعضه بعضا، ويتسم
بتشابكاته الخارجية. يجتهد الخطاب الإسلامي في العمل على إجهاض
الخطاب المؤيد للمؤسسة العسكرية ودورها في حفظ الأمن والاستقرار في خضم موجات عميقة
من الصراعات، وترويج مصطلحات صادمة، مثل الهيمنة فترات طويلة وتخريب الأحزاب وإفساد
الحياة السياسية، لتخويف المجتمع المدني من نتائج الاندفاع وراء تأييد أي مرشح عسكري.
الأمر الذي يقلل من حظوظ الزبيدي، ويكبح الميول الإنسانية والمواءمات الإيجابية والثقة
الكبيرة في مؤهلاته السياسية.
يعتقد التنظيم الدولي للإخوان أنه قريب
من الحكم في تونس الآن، وأن ثمرتها السياسية نضجت للسقوط في حجره عن طريق النهضة التي
يمكن أن تقود للسيطرة على مفاصل القرار في الغرف الثلاث، الرئاسة والبرلمان والحكومة،
علاوة على جانب معتبر في الإدارة المحلية، وهي فرصة تاريخية بالمعنى الحقيقي، لأن تعويم عبدالفتاح مورو يستند إلى
أنه أحد رجال النهضة المنفتحين، وله تاريخ من الاجتهادات خالف فيها قيادات الحركة،
ما يرفع من نصيبه المعنوي داخل المجتمع المدني، ويبعثر أوراق المرشحين المنافسين. يعيد تفوق النهضة في الانتخابات الرئاسية
(إذا حدث) البريق لفكرة إمكانية التعايش مع التيار الإسلامي ، وربما يوقف القناعات
المتزايدة بصعوبة الوثوق فيه، ويجبر دوائر غربية على إعادة النظر في رؤيتها حيال ما
يسمى بـ”المعتدلين” والتي تأثرت كثيرا بالسيل الجارف للعمليات الإرهابية التي قامت
بها تنظيمات متطرفة في العالم، لأن الأفكار التي انطلقت منها تعود جذورها لجماعة الإخوان.
من غير المستبعد أن يكون التنظيم
الدولي قد حصل على ضوء أخضر من قوى دولية لا تزال تتبنى فكرة مشاركة الإسلاميين في
السلطة بتونس
تساؤل ..!
فهل تكون تونس بديلا للسودان في مأوي
جنود الجماعات الإسلامية وقادتها الهاربين من كل الأقطار العربية بعد خرابها علي
أيديهم ، أم تلحق به وتتعزز عملية اقتلاع الإسلاميين من السلطة في المنطقة، لأنهم ليسوا
أمناء عليها، وأفكارهم تتجاوز الأبعاد الوطنية إلى مكونات فكر إرهابي ضيق




ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق