التمزق يعوق الإخوان المسلمين من الإنتقام للبشير بعد إصرار الشارع السوداني إبعادهم عن السلطة
ظلّ "الإخوان
المسلمون" في نسختهم السودانية الأخيرة "حزب المؤتمر الوطني"، الذي
أطاحت به ثورة شعبية عارمة، في 11 نيسان (أبريل) من العام الجاري، يعملون بلا هوادة،
للحيلولة دون توقيع اتفاق ينقل السودان إلى نظام حكم مدني ديمقراطي، بين المجلس العسكري
الانتقالي وتحالف قوى إعلان الحريّة والتغيير، الممثِّل السياسي للثوار، وبينما هم
كذلك، جاء توقيع الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية، وأُعلن عبدالله حمدوك رئيساً
للوزارة الانتقالية، فهل وصل العمل السياسي للجماعة في السودان محطته الأخيرة بعد أن
اختُبرت في الحكم لثلاثين عاماً دولة الإسلاميين
انتهت بسقوط البشير بعد أن أضاعوا فرصاً عديدة للإصلاح"، وضع الجماعة بعد توقيع الاتفاق الأخير في السودان، دور الإسلاميين
السياسي انتهى، الآن وفي المستقبل القريب تماماً، أما في المستقبل البعيد فيمكن أن
يكون لهم دور، لكن كتيار اجتماعي فقط، عد سقوط البشير،
انجرف التيار الإسلامي في ثورة مضادة وسرعان ما كشف عن حقيقة موقفه، الذي يؤيد سقوط
البشير فقط، مع بقاء الإسلاميين في الحكم، هذا التيار كانت أمامه فرصة للانحياز إلى
الشارع بشكل كامل، والمشاركة بفاعلية في الفترة الانتقالية لضمان وجود الإسلاميين مستقبلاً،
لكنه لم يفعل لذلك، ويبدو أنّ سقوط البشير أربك حسابات الإسلاميين، وظهر ذلك جليًّا
في تخبّط مواقفهم السياسية". إنّ "ثلاثين
عاماً من حكم الإسلاميين استنزفت السودان قد
فجروا الحروب في أنحاء البلاد، ورغم أنّهم ألبسوا حرب الجنوب ثوباً دينياً جهادياً،
لكنّ نتيجتها النهائية كانت الانفصال". مشروع الإسلام السياسي نفسه، في العالم العربي والإسلامي،
ومحاولة بعض التيارات الإسلامية، كما في تونس، استبدال طروحاتها الأصلية بمنطلقات ليبرالية؛
حتى تجد موطئ قدم في الخريطة السياسية لبلدانها، أو بتحويل الإسلام وتوظيفه كرمزية
ثقافية هوياتية، كما يحدث في تركيا. "كلّ ذلك يجعل المراقب
لحقيقة وكُنه حركات الإسلام السياسي في السودان، ممثلة في الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر
الوطني (الإخوان المسلمون)، أن يؤكد أنّ النهاية التاريخية والموضوعية للمشروع الإسلامي
في السودان قد أزفت الآن"، وفق إلياس.
ويشير إلياس إلى
أنّه "من الخطأ الظنّ بأنّ الثورة الشعبية في السودان كانت ضدّ البشير وحده، بسبب
الفساد والفقر والتدهور الاقتصادي، وحالة العزلة الدولية التي شهدتها البلاد على مدى
حكم الإسلاميين؛ بل كانت الثورة ضدّ الإسلاميين أنفسهم، وبالتالي فإنّ احتمال عودتهم
مرة أخرى أمر غير ممكن إنّ المناخ السياسي والنفسي في السودان
غير مستعد لقبول الإسلاميين كفاعلين في المشهد السياسي الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية بالسودان استبعدت مؤخراً
حزب المؤتمر الوطني (ذراع الإخوان بالبلاد)، من المشاركة بالمجلس التشريعي. كما استبعدت الوثيقة
الدستورية للفترة الانتقالية لعام 2019، استبعدت القوى السياسية التي شاركت في النظام
السابق حتى سقوطه من المشاركة في تكوين المجلس التشريعي،
التنكر تحت ظل السلطة الحاكمة مع تجاهل كل سبل الديمقراطيه
لم تقدّم الجماعة أفكارها وبرامجها على أنّها عمل إنساني
قابل لأن يكون خطأ أو صواباً، ولم تتعامل مع الشعب باعتباره مصدر السلطة والولاية الذي
يقرر ويحسم السياسات والتشريعات.
والجماعة في بنيتها
الفكرية والتنظيمية في حياة المشاركة السياسية
بل أحتكروا المشاركة السياسية والتمثيل السياسي والوظائف العليا بالمجتمع فهي تدعو إلى نفسها
باعتبارها جماعة دينية تمثل الفهم والتطبيق الصحيح للدين، وتجند الأعضاء والأتباع والمؤيدين
ضمن طقوس ومبادئ وأنظمة معقدة غير ديمقراطية وغير إسلامية، وتتدرج في ترتيب علاقة الأعضاء
بالجماعة على أسس من الولاء المطلق و"البيعة"، وهي في أساليبها وطريقة عملها
الداخلية مختلفة عن الجماعات الاجتماعية والدعوية المفتوحة التي تعمل لأجل فكرة أو
تسعى إلى التأثير على الدولة والمجتمعات باتجاه أهداف واضحة محددة دون مشاركة مباشرة،
وليست أيضاً حزباً سياسياً يسعى إلى تشكيل الحكومات والمشاركة فيها والتأثير في السياسة
والتشريع وفق أسس وأفكار ومداخل قانونية وهذا الأسلوب في
العمل يلحق ضرراً بالغاً بالمجتمعات والدول، فالمجتمعات تنشئ مؤسساتها ومنظماتها المستقلة
بهدف تمكين المجتمعات من التأثير والمشاركة في الحياة العامة وتأمين احتياجاتها وأولوياتها لكن "الجماعة"
تخترق هذه المؤسسات لتحولها في خدمة الجماعة ومؤيديها وأفكارها، وأسوأ من ذلك فإنّها
تسفّه فلسفتها وأهدافها المنشئة من كونها منافع حياتية لتحولها إلى تعاليم دينية غامضة
مستقلة عن حياة الناس بحجة إلحاد السلطة إن لم تنزل إلي شرع الله – والدين منهم
ومن فتواهم براء - لا تشكل الجماعة في طريقة عملها وتشكيلها الداخلية حالة ديمقراطية
أو اجتماعية أو سياسية، فهي ليست ديمقراطية في إدارتها وقيادتها وآليات عملها واختيار
القادة، كما أنّها لا تساوي في العضوية والقيادة بين الرجال
والنساء؛ بل تحرم النساء نهائياً وتضيق الفكرة إلي ابعد الحدود في تاريخهم من حق الانتخاب والترشح، وتحرم الشباب أيضاً حتى
سنّ متقدمة من الانتخاب والمشاركة، ولا تمثل الهيئات العمومية بل يستولي القادة
فقط علي المناصب
من أجل المشاركة في السلب المنظم القائم بالبلاد.
ظلت الحركة الإسلامية
في السودان كيانا فضفاضا لمدة طويلة. تداري عيوبها من خلال الالتحاف برداء السلطة الذي
وفّره لها الرئيس المعزول عمر حسن البشير، رئيس هيئتها القيادية. لم تظهر عيوبها الجسيمة
ورجالها يتحكمون في السلطة، وداوت بعضها عبر شبكة قويّة من المصالح المشتركة، ضمّت
طيفا واسعا من القوى الإسلامية بمسميّات مختلفة، وبدت في النهاية متماسكة تحت بريق
الحكم زالت الحكومة،
وذهبت السلطة والنظام والنفوذ الواسع لرموز الحركة وكوادرها، وبدأ المستور تتكشّف تفاصيله،
وظهرت على السطح تراشقات بين الأجنحة المتباينة. كل طرف يحمّل الآخر مسؤولية المرارة
التي خلفها السقوط المدوي للبشير، الذي جر مجموعة مهمة من الدائرة القريبة منه إلى
سجن كوبر.كلما اتسعت حملة
الاعتقالات ارتاح قطاع كبير من المواطنين ممن ساهموا في الحراك الثوري، ما جعل بعض
القيادات العسكرية المتعاطفة مع البشير، بحكم المنافع التي حصدتها، تتراجع عن إعلان
أي نوايا إيجابية لعصره. رفعت الحركة الإسلامية
العصا مبكرا بدلا من الجزرة، ولوحت بإطلاق ما يسمى بـ”كتائب الظل”، لتأكيد أن لديها
قدرات مسلحة يمكن أن تقلب الطاولة على المجلس العسكري وقوى الثورة، لكنها خشيت تفعيلها
والتعرض للتنكيل وفقدان الحاضنة الشعبية، فضلا عن وجود كتائب مسلحة أخرى قد تكون أشد
بأسا. ناهيك عن الوحدة
التي بدا عليها الجيش ونجاحه في إجهاض نحو أربعة انقلابات
عليه، الأمر الذي قلل من فرص اللجوء إلى خيار الانتقام
أطلقت شخصيات إسلامية،
مثل عبدالحي يوسف، زعيم جماعة
“نصرة الشريعة”، العنان للتصريحات المتشددة ضد القوى الصاعدة، وأخفقوا جميعا في النيل
من رصيدها الشعبي ولم يفلح يوسف وأعوانه من القيادات الدينية والسياسية المحسوبة على
الحركة الإسلامية في تحريك الشارع بصورة مضادة، وأصبح سيناريو الترويع والتهديد والوعيد
والتخريب غير مجد، وخصم من مروحة التسامح عند السودانيين، ودفع لسد المنافذ أمام فلول
النظام السابق.
لفت الحديث عن
فلول النظام السابق والتفاخر بسيطرتهم على مفاصل القرار في جهات رسمية النظر لخطورة
ما يسمى بـ”الدولة العميقة”، وبات الاستنفار جليا حيال من يتورع للتلميح والتصريح بالدفاع
عن البشير والحركة الإسلامية، ونبه السلطة الانتقالية لأهمية التكاتف وتقويض حركةهؤلاء،حفاظاعلى ما تحقق من إنجاز وأدى فتح تحقيقات،
بأثر رجعي، حول دور قياداتها في انقلاب يونيو 1989 إلى تأكيد أن الحركة لن تفلت من
العقاب مهما طال الزمن. ووجد هذا التوجّه إجماعا ساعد على تقليص مساحة المراوغات، وكشف
عمق الخلافات داخل هياكلها. كل طرف يريد وضع العبء على الآخرين
للهروب من المسؤولية .
خاصةً بعد إتهام بعض القيادات مع
البشير بجرائم حـرب بدرفور وغيرها أمام الجنائية الدولية
ورغم الأحداث المتلاحقة
منذ عزل عمر البشير، بيد أن قيادات الحركة، وفي مقدمتها الزبير، لم تتبن خطابا متماسكا
للتعامل مع الأزمة، واقتصرت التصورات على بعض الأشخاص، بشكل فردي وغير تنظيمي، ما فضح
عمق الارتباكات التي ضربتها، ورسّخ في الذهن أنها كانت تشبه “مكتبا للدعوة في حزب المؤتمر
الوطني”. وتتعرض الآن لتآكل يجعل شبح الحل الرسمي والشعبي
يطاردها طوال الوقت.كشف تأجيل المؤتمر
العام الـ11 في نوفمبر جانبا من تفاصيل الخلافات التي تعتمل داخلها، ما أدى إلى عدم
قدرتها على التوافق حول أمين عام جديد لها، واللجوء إلى التمديد للزبير، حتى عصف بها
زلزال عزل البشير، الأمر الذي أتى على جانب آخر من قدرتها الحركية داخل السودان، في
ظل مناخ عام رافض لوجودها ودورها ورموزها، وحمّلها
مسؤولية الفشل في البلاد طوال العقود الثلاثة الماضية. وجاء الإصرار على محاكمة القيادات
التي تورطت في فساد أو ارتكبت جرائم بحق الشعب، ليضاعف من المأزق. تحاول الحركة تجميع
عناصرها بعد القبض على عدد من قياداتها، وفقدانها استعادة زمام المبادرة، لكن لا يزال
بعض الرموز يظهرون من وقت إلى آخر لتأكيد القدرة على التأقلم مع الواقع، والاستفادة
من المرونة الظاهرة التي تغلب على الحركة الإسلامية في السودان، مقارنة بغيرها في دول
أخرى مجاورة، لتجاوز الكبوة الحالية وعلي الجانب الآخر
هدد علي الحاج، القيادي بالحركة،
والأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه حسن الترابي،
بالعمل الجدي على إسقاط السلطة الانتقالية، واستخدم
عبارة “كل الوسائل السلمية” لنفي أي صلة له بالعنف،
وبرر التحرك بأنه ناجم عن “مشروع ثنائي إقصائي يحتكر الشأن الوطني”، بين المجلس العسكري
وقوى الحرية والتغيير، وليعزز الكلام بأن الحركة اختارت صف المعارضة السياسية .
تبذل ما يسمى بـ”تنسيقية
القوى الوطنية” التي تضم أحزاب: المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح الآن،
وأجساما سياسية أخرى لها علاقة بالحركة الإسلامية، جهودا لعرقلة تنفيذ الترتيبات التي
تضمنتها الوثيقة الدستورية، أملا في تعميق الشروخ بين السلطة الجديدة، ورغبة في إرباك
المشهد الحكومي كي تتمكن من ممارسة نشاطها بقليل من المنغصات.تحاول القوى والشخصيات
المنخرطة في التنسيقية العمل على إسقاط الحكومة الانتقالية، والقيام بدور رأس الحربة
ضد توجهاتها، والسعي لمخاطبة المجتمع المحلي والإقليمي كقوة سلمية معارضة، وتوعدوا
بتشكيل حكومة ظل في كل ولاية على أساس الوضع السابق، بعد أن ألغت الوثيقة الولايات،
للتعجيل بإجراء انتخابات مبكرة، قبل المدة المحددة، وهي نحو ثلاث سنوات، عمر المرحلة
الانتقالية. ألمحت إلى الذهاب
بعيدا، إلى المحكمة الجنائية الدولية وتحريك القضايا التي بطرفها بشأن مطلوبين، في
إشارة تهديد مبطنة موجهة إلى بعض القيادات أنها تسطيع التوسع في استهداف رموز النظام
السابق إلي جانب أن .
قام حزب المؤتمر
الوطني، بانقلاب داخل صفوفه، واختار إبراهيم غندور وزير الخارجية السابق رئيسا مؤقتا
له، وتجاوز قضية عقد شوراه لحل المكتب القيادي المكون من (45) قياديا، مستندا على أن
الأوضاع التي يمر بها تفرض التعامل بمرونة سياسية.ووقع الاختيار
على غندور كواحد من القيادات الإصلاحية داخل الحزب، ودفع ثمنا باهظا لمصارحته البشير
قبل سقوطه بوقت قليل، وأشهرها خطابه أمام البرلمان، الذي قال فيه “لولا أن الأمر بلغ
مبلغا خطيرا لما تحدثت فيه في العلن، وها أنا اليوم أدق ناقوس الخطر”.تميل فلول النظام
السابق، بشقيها الحزبي والحركي، إلى مواجهة الأزمة بتصدير رغبتها في تصحيح الأخطاء، قبل أن يجرفهم طوفان الغضب السياسي والشعبي، ويصبح الإقصاء خيارا
وحيدا. ولذلك يعملون على إدخال تعديلات توحي بتغيير الخطاب، وإصلاح الهياكل بما يخلق
انطباعات بأنهم استفادوا من درس عزل البشير، ولن ينجروا وراء أفكار خيالية بشأن
“عودة الشرعية”، وما إلى ذلك من شعارات رددها الإخوان المسلمون في مصر حتى قضت على حاضرهم وتهدد مستقبلهم. بعد ما فعلوا من خراب بمصر بعد العزل متحدين لإرادة شعب كامل !!!
التي لن تنسى أن محنة
السودان تزايدت عندما قذفت الحركة بثقلها في العملية السياسية، وهي في الحكم أو المعارضة،
وجعلت الدولة الدينية سبيلا لها، وبالتالي ستتم قصقصة أذرعها الرئيسية، كي يطوي التمزق
مرحلة عاصفة من نشاطها.
وأخيرا ..!
هـل يتوقع أحد من الجهلاء دينياً وثقافيا أو من أتباع ومُريدين النظام السابق أن يكون لجماعه الإخوان المسلمين بتكويناتها السابقة بالسودان أي تواجد بالمشهد السياسي أو حتي الإجتماعي مقبول من الشعب ؟!!







ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق