هل نستطيع أن نكون سعداء حقاً؟!
دارت
الكثير من النقاشات والدراسات المختلفة عبر الزمان عن كيف نكون سعداء فهل تكون
السعادة في اعتناق الدين أم التحرر من كـل الألتزامات حتي الأخلاقية ؟ هــل كانت
السعادة بالعلم والتطور فيه وفي الصناعات المختلفة بفضلة أم أن السعادة في تدبر
خلق الله سبحانه وتعالي والمحافظة علي الطبيعة الأم بخصالها الأصلية ؟ هـل كانت
السعادة موجودة يوماً ما بالحــب أم أنه يكون مجرد وهم الإنبهار بالشخص بالوقت
الذي لا يُريد الأنسان بـه الشعور بالوحدة ؟ أختلفت الأراء والنقاشات حول العالم
وعبر التاريخ حتي بمختلف الجلسات البسيطة بين العامة عن ماهية السعادة ولـكن قد
أغفل الكثير بل ومعظم من رحث في الأمر السوأل الأهـــــم , هـــل نستطيع أن نكون
سعداء حقاً ؟! وكيف اذاً
أطلقت الأمم المتحدة التقرير العالمي للسعادة في2012 وفق دراسات خاصة
للمجتمعات السعيدة، تضمنت مئة وخمسين دولة من جميع أنحاء العالم. احتلت النرويج
المرتبة الأولى من حيث سعادة مجتمعها، فيما كانت الولايات المتحدة الأمريكية في
المرتبة الرابعة عشرة. أما ما يخص العالم العربي؛ فكانت الإمارات العربية أكثر
الدول العربية سعادة، فقد احتلت المرتبة الواحدة والعشرين عالمياً، تلتها قطر
فالكويت، وفي المؤخرة كانت السودان وليبيا. أما سوريا فكانت خارج حسابات السعادة،
وخارج حسابات الأمم المتحدة في الدراسات المذكورة.
ما الذي يجعل المجتمعات سعيدة، وهل ينطبق شعور (زيد) بالسعادة على
شعور (عمرو) وهل ينطبق شعور المرأة بالسعادة على شعور الرجل، في المجتمع الواحد؟
وهل هناك معايير عامة يركن إليها للحكم في مدى سعادة هذا المجتمع أو ذاك؟ وهل
المجتمع السعيد هو مجموع الأسر السعيدة والأفراد السعداء والسعيدات؟ ما
من شك في أنّ السعادة غاية، يعمل الإنسان على تحقيقها، لكن مفهوم السعادة أكثر
تعقيداً وغموضاً من مفاهيم الحب والحق والخير والجمال؛ لأن هذه جميعاً من شروط السعادة؛
علاوة على أنّ السعادة شعور داخلي نسبي يختلف من شخصٍ إلى آخر. فقد رأى بعض
الفلاسفة أنّ الفلسفة هي التي تمنح السعادة، لما توفره من قدرة على اكتشافات
ماهيات الأشياء أو جواهرها واكتشاف أسرار الطبيعة البشرية وقدراتها غير المحدودة،
ولكونها تمرداً على الواقع المعيش، ومحاولة لفهمه من أجل تغيير المألوف والسائد؛
فالسعادة من منظور "أفلاطون" هي "الخير والنجاح والفضيلة" بما
يفعله الفرد، ومن منظور "نيتشة" هي "الإرادة القوية ومحبة
القدر"، وهي النهوض بالواجب الأخلاقي، كما يتصورها "كانط". وقد
اعتبرها المتصوفة لحظة "التوحد مع الخالق". في جميع هذه الحالات وغيرها؛
تعبّر السعادة عن رضا الإنسان بما يفعله؛ (الرضا عن الذات).
لكن للفيلسوف الفرنسي "آلان باديو" رأياً مختلفاً، فهو
يعترض على أنّ السعادة هي "الرضا" أو "القناعة" بالعالم كما
هو عليه، ويدعو إلى عالم مُشبع بالإنسانية، تصبح فيه السعادة سعادةً كونية، وليست
فردية، كما تراها الفلسفة الكلاسيكية، أو الفلسفة الليبرالية المعتمدة على أنّ
السعادة هي "رغبة وإشباع"، لكنه لم يختلف مع "جيرمي بينثام"
حين ذهب في رؤيته للسعادة إلى أنها سعادة المجموع من البشر بقوله: "إنّ سعادة
الأفراد التي تتألف منها سعادة المجموع هي الغاية؛ والغاية الوحيدة التي ينبغي أن
يضعها المشرّع في الاعتبار". والمشرّع هنا هو القانون باعتباره الحق الأمثل
للمساواة بين الأفراد دون تمييز. بمقارنة
بسيطة بين رؤية الفلاسفة للسعادة؛ وبين تقرير الأمم المتحدة، نجد أنّ التقرير
اعتمد معايير للسعادة مثل؛ تلبية حاجات الأفراد في المجتمعات، من الرعاية
الاجتماعية ومقاديرها في الدول السعيدة، وسعة الخيارات المتاحة للأفراد وتنوعها سواء
في العمل أو في حيواتهم الشخصية، وتدني مستوى الفساد السياسي والاقتصادي،
والمساواة، بين المواطنين والمواطنات كافة، من دون تمييز على أساس الجنس أو العرق
أو اللون أو الدين، ومقدار دخل الفرد من الناتج المحلي الذي يكفل المستوى المعيشي
المطلوب للأفراد، من ثم رأى المشرفون على التقرير أنّ السعادة مقياس أفضل من
المعايير التقليدية التي تستخدم لقياس التنمية في المجتمعات، والتركيز على أهمية
الأخلاق التي هي ضرورية لكل نظام قائم بذاته. التنمية تبدأ من الفرد ومستوى وعيه،
فينعكس بالضرورة على المجتمع إما إيجاباً أو سلباً، والتنمية العامة مقترنة
بالتنمية الاجتماعية والبشرية والاقتصادية والسياسية والإدارية والتعليمية
والثقافية، لذلك سميت "التنمية الإنسانية". أما تصنيف الدول حسب المراتب
التي احتلتها كل منها فقد قام على أساس الحريات العامة، والصحة العامة، والحالة
النفسية لدى الأفراد، إضافة إلى ظروف العمل اللائق وتوافر فرصه مع استقلالية
الأفراد في أعمالهم، والتوازن بين الحياة الاجتماعية والحياة العملية
تتفق معايير السعادة، التي اعتمدتها الأمم المتحدة والمشار إليها مع
معايير بعض الفلاسفة، كـ"بثنام وباديو"، لكن هل تنطبق تلك المعايير على
المجتمعات المحكومة بالاستبداد والسلطات الديكتاتورية، خاصة في الدول التي تعيش
حالة من الحرب والدمار الشامل؟ وهل مجتمعات الدول العربية التي احتلت مراكز لا بأس
بها في التصنيف العالمي مجتمعات سعيدة بالفعل؟ إذا
اتفقنا مع تقرير الأمم المتحدة، سنختلف مع بعض الفلاسفة، وعلماء الطاقة والصوفيين
الذين يعتبرون السعادة لا تأتي إلّا من داخل الإنسان، وإذا ارتبطت بشخص ما أو شيء
ما، ستزول حتماً بزوال ذاك الشخص أو ذاك الشيء. أما السعادة التي تحدث عنها
التقرير؛ فهي سعادة خارجية أمنتها الدولة للأفراد، عن طريق تلبية حاجاتهم اليومية،
وضمانهم الاجتماعي وحقهم في الحرية، فأين السعادة في غياب الدولة وغياب القانون،
والضمان الاجتماعي، وغياب الحريات في البلدان التي تعيش في حالة حرب كـ(الكثير من
البلدان العربية والعالم)، أين السعادة في مخيمات اللاجئين واللاجئات، وأين سعادة
الأطفال في تلك الأمكنة وفي قطاع غزة وبقية مدن فلسطين، أم أن تلك الدول هي خارج
حسابات الأمم المتحدة التي تدعو إلى السعادة؟ نحن
لسنا سعداء في ظل لامبالاة هذا العالم المسؤول عن وقف الحروب، وفي ظل الإرهاب الذي
يحاصرنا من كل حدبٍ وصوب، والذي يرى في القتل طريقاً إلى السعادة، فالمنتصر سعيدٌ
بانتصاره، (القاتل منتصر) والثائر سعيدٌ بثأره، والمنتقم سعيد بانتقامه، أما دعاة
السلام فهم غير سعداء، في اعتقادنا؛ لأنهم غير قادرين على نيل السعادة وغير قادرين
على منحها. الأجدر بالفلسفة اليوم؛ أن تعيد تعريف
السعادة، وأن تقدمها للبشرية ببساطةٍ أكثر، كي نعرف إذا سئلنا إن كنّا حقاً سعداء
أن نجيب بنعم أم لا، فقد بلغ بنا الحال أن تكون سعادتنا اليوم هي النجاة من الموت
العبثي فقط.
وأخيراً .. !
ومن بين
كـل تلك النظريات التي تتحدث حول السعادة - وعن كون وجودها في هذا وعدم وجودها في ذاك - نتبنى
النظرية التي تتحدث حول أن السعادة أمـر نسبي ليس لـه مقياس بين شخصاً وأخـر
وشعباً وأخر وحتي بين مختلف أفراد المجموعه المتواجدة بنفس الغرفة أو التجمع .
بأختصار السعادة بداخلنا نحن , ونحن من نقرر هـل سنكون سعاداء ؟



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق