اخر الاخبار

Post Top Ad

LightBlog

الاثنين، 28 أكتوبر 2019

حكم الإخوان المسلمين لمقاليد السلطة في السودان.. جريمة كاملة !!


حكم الإخوان المسلمين لمقاليد السلطة في السودان.. جريمة كاملة !!


ليس هناك أكثر من السودانيين خبرة فيما تعنيه دولة «الإخوان».عاصروها ثلاثين عاماً وعرفوا ما تعنيه من حيث الممارسة والتطبيق، لا الشعارات الفارغة. دفعوا ثمناً غالياً لكي يكتشفوا مخبر الحركة الإسلامية وراقبوا كيف أنها تمكنت خلال ثلاثين عاماً من الحكم المتلون من بناء دولتها العميقة التي سيستغرق تفكيكها جهداً 

كلّ الجماعات وعلى رأسها الإخوان المسلمون خططوا لجعل السودان خزاناً للدعم ومحطة بديلة وملجأ لجميع القيادات لجميع الجماعات الإسلامية المتطرفة الهاربين من بلدانهم أو حتي من الإعدام علي يد الحكومات بعد تنفيذهم للعمليات الإرهابية 

السودان هي الدولة الوحيدة في المنطقة، التي تمت فيها حيثيات الجريمة الكاملة للإسلام السياسي. وذلك منذ أن انقلب الإسلاميون، بتنظير وتوجيه من حسن الترابي (الذي اعترف صراحة بعد ذلك بسنوات بقوله قلت للبشير: اذهب أنت للقصررئيساً، وسأذهب أنا للسجن حبيساً) على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً برئاسة الصادق المهدي درجت الخطوات التي اتخذها الإخوان المسلمين لتمكين حكمهم في السودان علي وتر سريع ونضبط ومُخطط لـه قلب نظام الحكم الديمقراطي أولاً ثم التغيير الفوقي للمجتمع من خلال وسائل الإعلام ومناهج التعليم،دون أي اكتراث للمنهجية المعرفية والشرعية والأخلاقية وكانت الكارثة الحقيقية، تكمن في قيام سلطة دينية بلا مجتمع يسندها (أو في أقلّ الأحوال مجتمع غير مقتنع بمشروعها)، هو أقصر طريق للخراب الذي جاء بعد ذلك، في "الوصفة" التي أطلق عليها حسن الترابي اسم "المشروع الحضاري"، وكانت وزارة "التخطيط الاجتماعي" التي أوكلت لرعاية الدكتور علي عثمان محمد طه في التسعينيات، هي الجهاز التنفيذي لتحقيق رؤية "المشروع الحضاري". وككلّ أيدلوجيا،كان الإسلام السياسي فارغاً من أي محتوى بديل لإدارة دولة بحجم السودان، سوى الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؛ فـ "المشروع الحضاري" لحسن الترابي، الذي جاء ليقول للسودانيين، ما معناه: حياتكم قبل عام 1989، كانت حياة "جاهلية"، ولا بدّ من "أسلمتها". أفضى،إلى جريمتين كبيرتين  تناسلت منهما جرائم عديدة وخطيرة على كلّ المستويات.

الجريمة الأولى: ما عرف حينها بـ "الصالح العام"، أو "التمكين"، وهو اسم مهذّب لعنوان خطير،تم عبره تجفيف وتفريغ الدولة من كوادرها العلمية المؤهلة والمتنوعة، في جهاز الخدمة المدنية، والتعليم، والجيش، والإعلام، والمناصب العامة، بحجة إحلال أهل الولاء محل أهل الكفاءة، وأهل الثقة محلّ أهل الاختصاص، (وهي أهم حجة لتقنين الفساد). إلى جانب ممارسات التضييق على تلك الكفاءات الوطنية؛ واضطرار أغلبهم للهجرة إلى خارج الوطن في عقد التسعينيات.
والجريمة الثانية:كانت في تخريب الهوية الوطنية وتحزيب المجتمع خلال (المشروع الحضاري)عبر تفكيك نظام التعليم، والهيمنة على أجهزة الإعلام، وتعويم سرديات فقيرة وشعارات أفقر وأناشيد مزيفة، حاصرت تلك الهوية، والفنون والذاكرة الوطنية للسودانيين، فأحدثت ما يشبه قطيعة لصيرورة وطنية للسودان، كانت صورتها تتشكل بملامح واعدة، حتى عام 1989.

والنتيجة الحتمية لـذلك المشروع الحضاري تمثلت في تشويه الذاكرة الوطنية، وتدمير الأحزاب السياسية،عبر تفتيتها وتقسيمها، وتهجير كوادرها، والتسريع ببروز الهويات الصغيرة كالقبلية والطائفية والمناطقية لتحلّ محلّ الأحزاب والعمل الحزبي فتم استبدال العمل السياسي بالصراعات العسكرية التي اندلعت في شرق السودان وغربه، ليصبح مركزها في دارفورالتي تحوّلت لمأساة حقيقية للسودانيين منذ عام 2003؛ حيث قُتل في تلك الحرب مئات الآلاف من السودانيين فضلاً عن تسخين حرب الجنوب (التي كانت قائمة من قبل) وتحويلها إلى حرب دينية غُيّبت فيها الأسباب الزمنية والسياسية للحرب، ما جعل من الصراع العسكري فيها صراعاً دموياً متوحشاً وبلا أفق انتهى باتفاقية نيفاشا 2005 التي أدّت إلى انفصال الجنوب وتقسيم السودان.إذ تتكشف لنا، اليوم، ملامح تلك الجريمة الكاملة للإسلام السياسي، وما فعله بحياة السودانيين، التي تحولت إلى جحيم لا يطاق، سندرك تماماً فداحة المصير الذي كان يمكن أن يقود إليه الإخوان المسلمون مصر، في ظلّ قيادة مرسي لولا الفارق الكبير بين وضعي البلدين؛ أي في علاقة المصريين العضوية العريقة بالدولة من ناحية وقدرة النخب الفكرية في مصرخلال سنة على رؤية المصير الكارثي الذي كان سيقودهم إليه الحكم السياسي لجماعة الإخوان المسلمين متمثل في الرئيس الراحل محمد مرسي  لقد عجزت النخب الفكرية والثقافية في السودان عن رؤية المصير السياسي الخطير لانقلاب الإسلاميين (كما أبصره المصريون رغم أنّ الحالة المصرية ليست انقلاباً لكنّ الفرق هنا في الدّرجة لا في النوع)وعجز النخب السودانية يرجع إلى إشكالات أساسية في الثقافة الإسلامية السودانية (تلك الثقافة التي وصفها الترابي بأنّها ضعيفة)

وأخيرا .. !

يمكننا وصف الوضع في السودان، بعد هذه الجريمة الكاملة للإسلام السياسي (التي لاتزال فصولها الكارثية مستمرة لأكثر من ربع قرن حتي بعد عزل رجل الإخوان الأول بالسودان عمرالبشير وأبعاد معظم القيادات البارزه منهم عن مراكز أتخاذ القرار ولكن لا يزال هناك الجاهلين دينياً وثقافياً متأثريين بمزاهبهم بأنّه مأزق تاريخي للسودانيين، وليس مأزقاً سياسياً فحسب، الأمر الذي سيكشف لنا مدى عمق الهاوية التي حفرها الإسلام السياسي للسودانيين، فسمّم بذلك حياتهم .. ! 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Your Ad Spot