"ممالك
النار".. دراما عربية مثيرة للجدل تكشف المخفي في التاريخ العثماني التركي
ممالك النار، مسلسل دراما عربي مشترك تاريخي من إنتاج شركة" جينوميديا " الإماراتية سنة 2019، من تأليف محمد سليمان عبد
الملك وإخراج المخرج البريطاني بيتر ويبر. تولت إدارة إنتاج المسلسل شركة إماراتية،
وصور بأكمله في تونس بتكلفة تقدر (40 مليون دولار) يوثق
المسلسل الحقبة الأخيرة من دولةالمماليك وسقوطها على يد العثمانيين في بدايات
القرن السادس عشر، مسلطاً الضوء على مرحلة في التاريخ العربي ثرية في الأحداث،
كاشفاً العديد من الحقائق حول هذه الحقبة .. ميزة هذا العمل، هو أنه نُفذ بحرفية متقدمة، قياساً بالأعمال
العربية، من خلال شركة «جينو ميديا» الإماراتية، بميزانية بلغت زهاء 40 مليون
دولار، بإخراج 3 مخرجين؛ عربي وإسباني، ويشرف عليهم البريطاني بيتر ويبر.
خلاصة القصة
هي في الصدام بين تركيا العثمانية، ومصر المملوكية، تحت
قيادة السلطانيين قانصوه الغوري، ثم طومان باي، أيام السلطان العثماني سليم وهو
بالمناسبة قدوة الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان الأول. تعودنا على مشاهدة
تاريخ العثمانيين، بالعين التركية، بل قل الإردوغانية، ولدينا عمل ضخم شهير مثل قيامة أرطغرل يعبّر عن هذه الرؤية الإسقاطية على الواقع الحالي.
فبالتزامن مع عرضه على المنصّة
الترفيهية العالمية "نتفلكيس " يُعرَض المسلسل التاريخي "ممالك
النار"، ذو الإنتاج الأضخم عربياً نسبة لعدد حلقاته (نحو 40 مليون دولار)،
والتقنيات الفنية العالية، على قناة "mbc"، ابتداءً من السابع عشر من الشهر
الحالي راصداً، في أربع عشرة حلقة، سقوط دولة المماليك على يد العثمانيين في القرن
السادس عشر.ويركز العمل على حياة السلطان سليم الأول، الذي اعتلى عرش الدولة
العثمانية بين عامي 1512 إلى 1520 ويرصد المجازر وأعمال السلب والنهب التي
ارتكبتها القوات الانكشارية في حقّ أهل مصر والشام ، مستعرضاً بشكل درامي التحولات
الكبرى التي شهدتها المنطقة العربية، بعد معركة (جالديران) بين الدولة العثمانية
والدولة الصفوية في إيران، التي انتهت بهزيمة الأخيرة.
وتمتدّ أحداث المسلسل إلى معركة مرج دابق التي دارت رحاها بين
العثمانيين والمماليك بقيادة قنصوة الغوري وهُزِم فيها المماليك، قبل أن يدخل
الجيش العثماني القاهرة، فيواجهه السلطان الأشرف طومان باي، بكلّ ما أوتي من قوة
ودعم معنوي ولوجستي من المصريين، لكن يضيق الخناق عليه، بعد هزيمته العام 1517 في
معركة الريدانية (ضاحية العباسية في القاهرة)، فيلجأ هارباً إلى صديقه حسن بن
مرعي، وابن أخيه شُكر، ظناً منه أنّه في مأمن عندهما، لكنّهما يشيان بمكانه
للعثمانيين، الذين يعتقلونه ويقتادونه إلى السلطان سليم، ليصدر بعد ذلك حكماً
بشنقه على باب زويلة، لتكون الفاجعة الكبرى التي فجعت المصريين كلّهم، ومثّلت صدمة
كبرى لم يعهدوها طوال تاريخهم القديم، على حدّ وصف المؤرخ محمد بن إياس الحنفي.
مسلسل بمواصفات عالمية
يُتوقَّع أن يكون هذا المسلسل، الذي أنتجته شركة
"جينوميديا" الإماراتيّة، ناجحاً وذا نِسَب مشاهدة مرتفعة، فالمشرف على
إخراجه هو البريطاني "بيتر ويبر"، الذي يُعدُّ، حالياً، من أهمّ
المخرجين في العالم، فقد سبق له الإشراف على إخراج أعمال عالميّة، مثل: فيلم الرعب
"تمرد هانيبال"، والملحمة اليابانية "الإمبراطور". وقد
استعان ويبر بفنيين ومساعدين عالميين في المكياج والملابس والديكور، وإخراج
المعارك، من أهمهم: لويجي ماركيوني، وأليخاندرو توليدو، ما يبشّر بأنّنا سنتابع
عملاً فنياً شيقاً، على غرار الأعمال الفنية الملحمية الكبرى، ليس فيما يخصّ تصوير
المعارك، والأزياء، والإكسسوارات، والديكور، والجرافيك، وتقنيات التصوير وتوزيع
الإضاءة والإخراج عموماً، بل في ما يخص السيناريو كذلك، حتى وإن لم يلتزم مؤلف
العمل، السيناريست المصري محمد سليمان عبد المالك، بالأحداث التاريخية التزاماً
حرفياً؛ فالمسلسل تجسيد درامي لبعض الوقائع التاريخية المؤلِمَة التي ألمّت بمصر
وبلاد الشام، وكان لها تأثيرٌ متجدد لم ينتهِ حتى الآن!
يأتي هذا المسلسل وسط موجة الأعمال الدرامية التاريخية التركية
المسوّقة للتاريخ العثماني بثوب المثالية، والتي تتجاهل أي سلبيات تعكر هذه الصورة
التي تحمل رسائل سياسية وثقافية لا تخفى لطالما انتهجها العثمانيون الجدد تجاه
الوعي العربي، بل يمكن القول إنّ الأمور
وصلت حد تزييف الحقائق التاريخية أو تقديمها بصورة مضللة لغير المطلع، كما هو
الحال في مسلسلي : "قيامة أرطغرل"، و"السلطان عبد الحميد
الثاني"، وهو ما يضع المبدع العربي في مواجهة مستمرة مع زيادة المدّ الفني
التركي، ويؤكّد أهمية الالتفات إلى القوة الناعمة ممثَّلَة في الأعمال الفنية
الجيدة، كسلاح ماضٍ في وقت تتدنّى فيه نسب القراءة في العالم العربي!
غضب الإخوان ومُموليهم وهجوم شامل علي المسلسل !!
الهجوم على المسلسل، لم يتوقف رغم أنّه لم يكن قد بدأ عرضه، واعتمد
المهاجمون على الآراء المسبقة وخلط الأوراق، والتصوير الساخر أنّ المماليك
والعثمانيين والعباسيين من قبلهم كانوا محتلين لمصر، بل وصل الأمر بالقيادي
الإخواني الهارب عاصم عبد الماجد وهو
إرهابي معروف هارب من مصر أن يكتب: "الذي أسعدني وزاد من تفاؤلي أن بطل
مسلسلهم (طومان باي) انهزم أمام العثمانيين الذين قتلوه وعلقوه على (باب زويلة)
بالقاهرة"! وفي قناة «الشرق الإخوانية» ظهرت زوجة
أيمن نور، المقيم في تركيا والمحالف لـ«الإخوان» وداعميهم، واتهمت المسلسل بتشويه
الدولة العثمانية، وأنه جزء من حرب الدراما التي تشنّها الإمارات، وتنفق فيها
المليارات (مليارات حتة وحدة!) ضد تركيا وقطر.كما أن موقع «البوابة الإخبارية»
اليمني، المحسوب على جماعة «الإخوان»، تحدث عن مسلسل «ممالك النار»، معتبراً أنه
«سعي من الإمارات اليوم لتزوير تاريخ (تركيا) بمهاجمة الدولة العثمانية من خلال
مسلسل (ممالك النار)».
وأخيراً .. !
معنى هذا كله، ونحن فقط مع «أول» عمل حقيقي يقدم رؤية مختلفة عن
الرؤية التركية لتاريخنا، أن عمل «ممالك النار» أصاب هدفه! يظلّ القول إن ميدان
الدراما من ميادين الحروب الناعمة، هذا الأمر على مستوى العالم بالمناسبة، دون
مثاليات، والجانب التركي بدأ الأمر مبّكراً، في ظل غفلة أو تغافل من صنّاع الإعلام
العربي.
ان "ممالك النار"، يهدف إلى عرض
المسكوت عنه في تاريخ العثمانيين وكشف حقيقة الصورة الوردية المزعومة، وفيما إذا
كان فتحاً أم غزواً للمنطقة العربية في واحدة من أشد فتراتها ضعفاً، والتنبيه إلى
حقيقة معاملتهم للعرب باسم الإسلام للتغطية على على الأوضاع الصعبة التي عاشوها
خلال هذه الفترة وصلت حد التجهيل والإرهاق الاقتصادي والاجتماعي، وكيف أجبروا أمهر
الحِرفيين والتجَّار على الهجرة إلى عاصمتهم إسطنبول للإفادة منهم في بنائها
وهندستها، كما فعلوا مع مصر التي حوّلوها إلى إيالة عثمانية؛ أي وَحدة إدارية
تابعة للسلطان العثماني، بعد أن كانت دولة مركزية كبيرة، ما شكّل صدمة كبرى
للمصريين يسعى العمل لتسليط الضوء عليها.
عسى أن يكون عمل «ممالك النار»، بداية مبشرة لنهضة عربية درامية
حقيقية، تقدم وجهة نظرنا الخاصة عن التاريخ.




ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق