مفاوضات السلام بجنوب السودان بين النظام السوداني الجديد والحركات المسلحة قـد تؤتي ثمارها سريعاً
مباحثات السلام التي بدأت في “جوبا” عاصمة جنوب السودان النصف الشقيق
للسودان بين الأشقاء وليس الفرقاء كما وصفتهم “وسائل الإعلام”، هذه المفاوضات
يعتبرها السودانيون ضيافة في بيت إخواننا أبناء جنوب السودان، وستكون خطوتنا
الثانية لمّ شمل الأسرة في البيت السوداني، الذي سيكون متوحداً في المستقبل
القريب..
إن جلسات التفاوض لا بد أن تفضي إلى سلام شامل؛ لأن مرحلة بناء الثقة
أهم مرحلة في مراحل إعادة وحدة السودان، ومنالهم الصبر عليها حتى تؤتي أكلها ويجني
الشعب السوداني ثمارها، لا يوجد مستحيل لا يمكن تحقيقه بتوحيد الرؤى والقوى
السياسية والعسكرية والمدنية، بمختلف انتمائها الحزبي وغير الحزبي، وتبقى مصلحة
السودان غاية أسمى للجميع , الجدية والمصداقية والحرص على تحقيق مصلحة السودان يجب
أن تكون هي الغاية الحقيقة لهذه المباحثات من كل الأطراف التي تتحاور في جوبا
لتحقيق السلام، وإيقاف الحرب التي أكلت الأخضر واليابس في بلد عانى ويلات الحروب
الأهلية، مما أنهك قواه واستهلك موارده وشرد أبناءه. ويجب
أن تكون هذه الجولة فرصة لوضع حل نهائي لأزمة في السودان، وإنهاء عقدة الحكم
“المركزي القابض” التي يعاني منه السودان منذ الاستقلال في عام ١٩٥٦م، والتي خلقت
صراعات دائمة؛ حيث تركّز الحكم في العاصمة “المثلثة” التي حصلت على نصيب الأسد في
كل شيء من تعليم وخدمات وتطوير، مما كان له عظيم الأثر على عدم تنمية الأقاليم في
السودان، وأسهم في تكوين قوى معارضة لهذا التوجه، وتطالب بحقوقها وحقوق مواطني هذه
الأقاليم.
على الرغم من أن نظام الحكم هو نظام فيدرالي، لم يتم الاتفاق عليه
دستورياً،أو تحدد مفاهيمه فبقي تنفيذ آلياته ضمن الإطار القانوني للحكومات التي
حكمت السودان، وهو ما جعل تغييره سهلا على الحكام وأن يخرجوا عليه أو يتم تغيير
القانون حسب هواهم ومصالحهم وهو يمتلك حق تسمية وعزل ولاة الأقاليم أو
الولايات. بعد استقلال السودان حاولت كل الحكومات
المتعاقبة على الحكم فرض سيطرتها على البلاد من خلال استخدام سياسة “فرق تسد”
بدلاً من تعزيز الهوية الوطنية الشاملة، قامت بتهميش مناطق بأكملها من البلاد
مراراً وتكراراً، بسبب الاختلافات العرقية أو الدينية، مما أثر بشكل كبير على
الهوية السودانية الوطنية.
أزمة “المركز والهـامش” فُـرقـت أهل السـودان بين " موالٍ مؤيد ومعارض
" وأسهمت في تعميق فجوة البعد بين السلطة والشعب مما أضاع الهوية القومية،
كانت الحكومات السابقة تتقوقع في ذاتها وتعمل لمصالحها ولتثبت نفسها في
السلطة دون الالتفات للمتطلبات الشعبية، ونتيجة غياب البرامج والخطط والرؤى
المستقبلية؛ حيث لم يكن المواطن السوداني محور اهتمامها وضمن أجندتها، ولم تكن
مصلحة الوطن هي غايتها. هذه الحركات قامت بفعل التهميش
الذي مارسته الحكومات المتعاقبة على السودان، ونتج عنه نفور كبير في مختلف
أقاليم السودان من سلطوية الحكم المركزي الذي أنهك كاهل السودان ودمر مكتسباته
وخلق تفرقة في صفوفه، تركزت هذه الحركات في دارفور وكردفان وشرق السودان ومنطقة
ابيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، كل هذه النزاعات قامت على إعادة
الحقوق المسلوبة إلى أصحابها.
هذه المفاوضات فرصة سانحة يجب على القائمين على أمرها اقتناصها
وتحقيق السلام لإيقاف الحروب الأهلية، وبدء التعمير وتحقيق التنمية المستدامة في
كل بقاع الوطن دون تفرقة عرقية ولا دينية.يجب تفادي الأخطاء السابقة التي وقت فيها
كل الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان واحتكرت السلطة لنفسها. المعاناة التي يعنيها أهلنا في دارفور وفي كردفان
وبحر الغزال والنيل الأزرق والنيل الأبيض ومنطقة جبال النوبة والشرق والوسط
والشمال والغرب وكل مناطق النزاعات والحروب الأهلية سببها عدم حرص الحكومات
السابقة على توزيع الثروات وتحقيق التنمية في هذه المناطق والتركيز على مناطق
بعينها بالرعاية الصحية والبنية التحتية والتنمية الاجتماعية.إن التعايش السلمي
وإيقاف الحرب وتحقيق العدالة الاجتماعية هي مقومات التنمية الحقيقية التي ستؤتي
ثمارها على البلاد والعباد، وتفتح أبواب الخير على كل ربوع الوطن، كما أن
الاستقلال الأمثل للموارد الطبيعية والصناعية وخلق جو سليم للتطوير والحداثة يسهم
في تنمية الإنسان، ويبني مستقبلا أفضل للأجيال بعيداً عن الحروب والنزاعات
القبلية. لن يتحقق السلام في السودان إذا لم يجلس الأشقاء في طاولة نقاش واحدة
ويتركوا عنهم المحاصصات والمحسوبية، والبحث عن المصالح الذاتية لشخوص بأعينهم،
والقبول بأنصاف الحلول، بل يجب ألا تربط قضايا السلام السودانية بمجرد مصالح
سياسية أو حصول زعماء الحركات المسلحة على تمثيل سياسي، بل يجب أن تشمل إعادة
هيكلة الدولة السودانية ذاتها، خصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة الدستورية بين المركز
والأطراف، ونصيب الأطراف من الثروة القومية. إن
جلسات التفاوض لا بد أن تفضي إلى سلام شامل؛ لأن مرحلة بناء الثقة أهم مرحلة في
مراحل إعادة وحدة السودان، ومنالهم الصبر عليها حتى تؤتي أكلها ويجني الشعب
السوداني ثمارها، لا يوجد مستحيل لا يمكن تحقيقه بتوحيد الرؤى والقوى السياسية
والعسكرية والمدنية، بمختلف انتمائها الحزبي وغير الحزبي، وتبقى مصلحة السودان
غاية أسمى للجميع.
ولنوضح ما يحدث الأن في المفاوضات الجارية بجوبا
أول حركة مسلحة توقع علي اتفاق السلام مع وفد الحكومة السودانية بجنوب السودان
وقع وفدا الحكومة السودانية والحركة
الشعبية شمال التي يقودها عبدالعزيز الحلو بمقر المفاوضات في عاصمة جنوب السودان، جوبا على اتفاق خارطة طريق للتفاوض بينهما.ووقع عن
حكومة السودان عضو مجلس السيادة، الفريق
الركن شمس الدين كباشي، وعن الحركة الشعبية الأمين العام للحركة، عمار أمون دلدوم،
كما وقع رئيس لجنة الوساطة لمحادثات السلام
السودانية مستشارالرئيس سلفاكير للشؤون الأمنية، توت قلواك وقسمت خارطة الطريقة الموقعة من الطرفين،قضايا التفاوض إلى
ثلاثة ملفات تشمل الملف السياسي والملف الإنساني وملف
الترتيبات الأمنية . وأكد عضو مجلس السيادة المتحدث الرسمي
باسم وفدالحكومة المفاوض محمد حسن التعايشي، في تصريحات صحفية مع المتحدث باسم الحركة
الشعبية، أن الإرادة الصادقة التي تتحاور بها الحكومة والإدراك
العميق لطبيعة مشاكل السودان ساهم في التوصل إلى
هذا الحد الكبير في المفاوضات .وأشار التعايشي إلى أن خارطة الطريق التي تم
التوقيع عليها الجمعة في ساعات استغرق التفاوض حولها في ظل
النظام السابق“22” جولة من المفاوضات، أضاعت على السودان ثمان سنوات في
الحرب، واعتبر سيادته أن الاختراق الذي حدث ليس غريباً على حكومة تحمل أجندة
ثورة ديسمبر المجيدة وأوضح التعايشي أن السرعة التي تم بها التوقيع تمثل دليلاً على
رغبة الأطراف المتفاوضة في إنهاء الحرب
وأخيراً .. !
أن السودان مقبل على مستقبل
مزهر ولـن يحدث ذلك ابداً الا من خلال تماسك أبنائه في كافة الأقاليم والمناطق لذا
فقد حان الوقت لعودة أبناء السودان إلى حضن الوطن ونبذ الخلافات والمشاكل وتوحيد
الصفوف لتصبح كلمة الجميع واحده هي “مصلحة السودان العليا”.




ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق